2005/12/11

تنسم الياسمين وتذوق الزيتون، مرحبا بك في فلسطين


بالفعل، استطاع هاتفي المحمول التقاط شبكة “جوال” الفلسطينية بعد استلامه هذه الرسالة ونحن على بعد أمتار من غزة. عن بعد، راقبني جواد وأنا أتحدث مع صفوف الحالمين بالعبور ثم اقترب: تعالي معي، سأريكي شيئا.. دار بي حول بوابة معبر رفح، الى اليسار، قفز أمامي وسط أكوام قمامة وصفائح معلبات فارغة حتى وصلنا الى سلك شائك.. عبر السور، فرد كل ذراعه كي يصوب جيدا: هناك، هل ترين هذا النخيل؟ هناك.. هذا نخيل فلسطين. وهذه التبة، في فلسطين. خلف السور، ممر أسفلتي ثم مبنى من طابق واحد هو صالة العبور من والى أرض حلم بها كثيرون. التفت الى جواد الذي قال: أنا فلسطيني! لم أذهب عمري اليها. ولدت هنا في رفح المصرية ولكن كل عائلتي بفلسطين، وأشار مجددا الى النخيل. وكان كمن أصابته لوثة. أنا فلسطيني، فلسطيني، لكن لن أستطيع العبور اليوم، ما معي جواز. تركني ومضى يبحث عن زاوية أفضل يرى بها فلسطين.. ن

 الى فلسطين خذوني معكم  

كانت كونداليزا رايس قد توسطت بين أبو مازن وشارون من أجل فتح معبر رفح لعبور الأفراد في خطوة بدت من السطح اضافة للمكاسب الفلسطينية بعد الانسحاب الاسرائيلي من غزة بقرار أحادي الجانب اتخذته اسرائيل من دون موائد ولا مفاوضات فيما كتم الفلسطينيون أنفاسهم وهم يراقبون عمليات الهدم والرحيل ويمصمصون شفاههم على التعويضات المالية التي تصرف من أجل اعادة التوطين.. مفاوضات كونداليزا انتهت الى قرار بفتح المعبر يوم الجمعة الخامس والعشرين من نوفمبر بادارة مصرية – فلسطينية تحت اشراف الاتحاد الاوروبي وبمراقبة ما يزيد عن ربعمائة كاميرا اسرائيلية. وبالتالي حزم الحالمين بوجوه الاقرباء ودفء الديار حقائب ضخمة، صناديق، أغطية، واصطفت أسر بأجيالها الثلاثة أمام البوابة تمام الثامنة صباحا منتظرين لحظة العبور بفراغ صبر.. ن

بعد الصلاة (بعد ظهر الجمعة) وصل أبو مازن الى الجانب الآخر ضمن مجموعة من المسؤلين والمدعوين شملت من الجانب المصري عمر سليمان، رئيس المخابرات. احتفلوا، وصافحوا، وصفقوا، ورحلوا. تأجل عبور الأفراد (الافتتاح الفعلي) الى صباح السبت. قرابة السبعمائة وخمسون فلسطيني أمضوا ليل الجمعة نائمين في طابور أمام البوابة المؤدية الى غزة. المسجد المكون من غرفة واحدة آوى من استطاع من السيدات والأطفال. الباقون تحملوا البرد وسط مشاعر مختلطة من اللاآدمية، والأمل، واعادة تقييم مشاعرهم تجاه جوازات السفر الخضراء التي أعطتهم هوية غير مكتملة الصلاحيات.. ن

الى فلسطين خذوني معكم

صباح السبت قطعت سيارتنا الطريق المؤدي الى المعبر مارة بالعريش، رفح، الشيخ زويد. لاحظت تحسنا في المعاملة من القائمين على نقاط التفتيش مقارنة بالمرات السابقة.. كانت محافظة شمال سيناء قد شهدت خلال العام الماضي ما سماه أهلها ب”التجريدة الأمنية” عقب تفجيرات طابا.. اعتقالات جماعية وتعذيب وعنف واحتجاز رهائن.. قرب المعبر أشار أحد الزملاء الى بالونة صفراء عالية مجسمة على شكل طائرة وقال هذه أيضا مثبت بها كاميرات لكشف الطريق وأضاف “التكنولوجيا الاسرائيلية متقدمة جدا. صورة الشخص تكفي للتعرف عليه خلال دقائق ان كان له سجل سابق” ولكنه أضاف “الاتفاق يتيح لهم فقط ابداء الملاحظات والاعتراضات وليس لديهم سلطة اتخاذ القرار”. مددت يدي في الهواء مصوبة نبلة خيالية باتجاه البالون الذي يكشف أرضا مصرية متجاهلة أبراج المراقبة التي انتشرت على خط الحدود.. ن

الى فلسطين خذوني معكم

منتصف نهار السبت، رجل بشارب بني اللون في ملابس مدنية يسألني في أي جريدة أكتب؟ وكم عدد المقابلات التي أجريتها؟ وما المعلومات التي حصلت عليها حتى الآن؟ سألته بدوري عن اسمه فأجاب مضيفا أنه “أمن دولة”. طلبت منه بطاقة هوية فاكتفى بازاحة سترته جانبا كي أرى السلاح المتدلي من خصره. قال بلهجة الواثق “لا تصدقي ما يقولون. نحن نطعمهم ونؤمنهم ولكنهم طول عمرهم ناكري جميل”. سمعت صراخا وسط دموع فتركته وهرعت باتجاه الصوت. سيدة سمينة في جلباب وطرحة طويلة لوحت ببطاقات الهوية الفلسطينية في الهواء ثم القتها فوق عدة حقائب رقدت بجوار رجل مسن يجلس على كرسي متحرك مع أنابيب انسولين وشهادات طبية. “تعالى يا شارون، افرح.. هذي الوثيقة ما بتسوى شي، ما بتسوى، ما راح أعبر.. جي أبو مازن احتفل ومشي وتركنا في الشارع.. في البرد.. هذا رئيس الفلسطينية؟ شو بسوي بهذه البطاقة” وانهمرت في موجة بكاء يائس.. ن

وجدتني أغني رغما عني “عشرين عاما وأنا أبحث عن وطن وعن هوية.. الى فلسطين خذوني معكم.. الى القباب الخضر.. والحجارة النبية”.. سيطرت علي تلك الأغنية لأيام لاحقة.. ولكن من اصطفوا أمامي كان أغلبهم عجائز يحملون أجهزة كهربائية وحقائب سفر كبيرة وأدوية.. بدلا من البندقية.. ن

الفرق بين الجواز والوثيقة.. الجواز هو جواز سفر فلسطيني صدر من داخل فلسطين للذين يعيشون بالداخل بنوع من الموافقات الاسرائيلية.. أما الوثيقة فقد صدرت للاجئين من مكاتب السلطة الوطنية في البلدان المختلفة ويتم تجديدها كل خمسة سنوات.. المعبر مفتوح فقط لأصحاب الجواز وبشروط..أن يكون المار فوق الأربعين، أو امرأة، أومقيد كطالب في جامعة عبر الحدود، أو لديه شهادات طبية بأنه يعالج في الجانب الآخر.. حاملي الوثيقة انتابهم اليأس والتوتر أما حاملي الجواز فساد بينهم الوجوم والترقب.. المصريين كانوا خارج المناقشة.. ن

حوالي الثانية بعد الظهر بدأ وصول القادمين من أرض الزيتون والياسمين.. رجل بمفرده.. زوجان.. أسر من ثلاث أو أربع أفراد على الأكثر.. حقائب قليلة.. سمارت ترافلرز كما يقال.. معظمهم متجه مباشرة للقاهرة من أجل اللحاق بطائرة لدبي أو لدول أخرى.. معظمهم مبتسمين.. اجراءات العبور من غزة لرفح استغرقت ما بين ساعة الى ساعة ونصف على الأكثر وكانت في منتهى النظام.. زوجان بدا عليهما اليأس الشديد.. سرعان ما تبينت أنهم ضمن من حاولوا العبور الى غزة وفشلوا.. جميلة بكت وهى تحكي أنهاوصلت القاهرة مساء الخميس قادمة مع زوجها وطفلة عمرها ثلاثة أشهر من الجزائر حيث يمتلك زوجها محل بيتزا.. الزوج أشاح بوجهه ضيقا ويأسا وراح يبحث عن تاكسي يعيده الى مطار القاهرة فيما حكت جميلة أن زوجها جن من السعادة حين قرأ خبر فتح المعبر فأغلق المحل، وهرع الى رفح، وأمضوا الليل مع المنتظرين في العراء.. قالت وهي تبكي “سنعود الى الجزائر”.. ن

12 Comments »

  1. يا ترى المصريين مسموحلهم بزيارة فلسطين ولا لأ؟ عاوزين نبدأ حملة تطبيع مع فلسطين بقى

    Comment by Alaa — 2005/12/11 @ 2:13

  2. لا يا علاء.. فقط حاملي جواز السفر الفلسطيني وبشروط

    Comment by Nora — 2005/12/11 @ 2:48

  3. كنت أسمع من مصري -رحمه الله – حارب في فلسطين قبل العدوان الثلاثي. حارب في غزة وظل حتى آخر عمره شديد الفخر بهذا الوقت الذي قضاه في معارك مع القوات الإسرائيلية بسبب المناوشات المستمرة. كان يتكلم بنفس حماس جواد عن كل تبة حماها.

    زرت الأردن لأول مرة الشهر الماضي. لفت نظري أن أكثر من أردني يوضحون لنا الأماكن التي يمكن من فوقها رؤية فلسطين.

    شكراً يا نورا على هذه المقالة.

    Comment by Heba — 2005/12/11 @ 11:40

  4. […] Nora visits the newly reopened border crossing between Rafah and Gaza strip. She takes several photos and writes in Arabic about her experience. She documents the frustrations of people trying to get into Gaza. Notices the excessive video surveillance by Israel. She then explains who can cross the border; Palestinians with a passport who live in the Palestinian territories and refugees with a special document. In addition to that only people above 40, female, registered as a student in a university across the border or has a document that proves s/he is seeking medical treatment. Egyptians may not cross. […]

    Pingback by Global Voices Online » Blog Archive » From the Gaza-Egypt border — 2005/12/12 @ 10:08

  5. Ya Global Voices, Palestinians with the document CAN NOT cross.. Its only limited to passport holders and this is where the frustration comes from..

    Comment by Nora — 2005/12/12 @ 17:43

  6. مقالة جميلة جدا, و أشعرتني بالفخر..

    Comment by عاشق النيل — 2005/12/14 @ 16:26

  7. Salam Nora,
    I would love to read this in english! If you have any information to help me I would appriciate that you contact me. I will be going over Rafah soon. Some people say I will make it, some say it is impossible. I have a swedish passport. My kids have both swedish passports and hawya. I shivered when I saw your photos, remembering too well my experience of going through Rafah to Gaza this summer. Audho billah. You will find it in my blog under October archive. Thanks //Imaan

    Comment by Imaan — 2005/12/18 @ 23:15

  8. Will try to translate the post ya Imaan or do a summary..
    My sources in Rafah confirmed that uptil now, only those who have a palestinian passport can pass through Rafah border.. Your swedish passport can help you go through the Ben Gorion airport but not the Rafah crossing..
    Please share with us your experience getting in and out..
    I am really sorry for this situation and even frustrated as sorrow is not enough!!
    Keep the WILL

    Comment by Nora — 2005/12/21 @ 19:00

  9. I’m giving Rafah a try tomorrow – wish me “luck”.
    //Imaan

    Comment by Imaan — 2005/12/22 @ 13:35

  10. نحتاج الى المزيد

    Comment by منال — 2006/02/10 @ 22:23

  11. […] المعبر منذ تشغيله لم يعمل أبدا بشكل آدمي وخاصة على الجانب المصري.. مرآب سيارات صغير جدا تسيطر عليه مافيا التاكسيات وتتكدس خارجه السيارات يبعد مائتي متر ويزيد عن المعبر.. كافيتريا عفنة، من حيث النظافة، تقدم الفلافل المقلية والمشروبات الغازية الساخنة والشاي بأسعار خزعبلية وقلة ذوق مجانية.. وفوق كل ذلك لا يوجد بها مكان للجلوس أو دورة مياة.. الحمام الوحيد ملحق بمسجد صغير وبالطبع الأولوية في استعمال الحمام والمسجد نفسه للنوم تكون للسيدات.. معظم مستخدمي المعبر هم من كبار السن والمرضى الذين يستخرجون تصاريح علاج في القاهرة وبالتالي يعبرون بشكل شهري أو أسبوعي متكرر.. ومنهم كثيرون يجدون مشقة في المشي واستحالة في الانتظار أيام بعد أيام في هذه الظروف.. المعبر مغلق أمام الشباب (الارهابي بحكم الفئة العمرية) ومن لا يحملون جوازسفر صادر من السلطة الفلسطينية […]

    Pingback by Nora Younis » رفح.. منفذ إلى السماء — 2006/07/13 @ 16:48

  12. السلام عليكم انا فتاة من المغرب
    اتمنى ازور فلسطين فيوم كمان احلم باليوم الي اشوف فيه فلسطين حرة
    bye

    Comment by نجوى — 2006/12/28 @ 12:36

تلقيمة التعليقات على هذه التدوينة

علِّق على التدوينة




Write to me راسلني