أنا في أمريكا لمدة ثلاثة شهور أخرى، وفقا لجريدة المصري اليوم الغراء، أتدرب على حكم الدول.. وحين أعود الى القاهرة بالتأكيد سأبحث عن دولة أحكمها – ماهو مينفعشي بردو التدريب ده كله يطلع على فاشوش!  ن

ترغمني الثلوج اللامتناهية على البقاء في علبتي المسخنة (غرفة واسعة بمطبخ صغير في فندق صمم ليبدو كأنه قديم).. نشرات الأخبار المتعاقبة تؤكد وتقسم برأس الأفعى أنها أسوأ عاصفة ثلجية في تاريخ ولاية نيويورك.. أتعجب كيف يصنعون الكذبة ويستحلون استهلاكها.. فبراير الماضي كنت في نيويورك أيضا حيث ضربتها عاصفة ثلجية قوية وتم انتاج واستهلاك نفس الأخبار بنفس النهم

الاينش الواحد من الجليد يكلف الولاية مليون دولار لرفعه.. صار لنا أكثر من أسبوع والثلوج في الشوارع تصل حتى الركب.. لا أعرف كم اينشا يكون هذا.. تجوب الجرافات الشوارع الرئيسية والفرعية ليل نهار.. تكوم الثلج على جانبي الطريق أو ترفعه على شاحنات تأخذه لساحات بعيدة بينما ترش الشوارع بملح خشن يساعد على ذوبان الثلوج.. المزاوجه التي لا أستطيع أن أهضمها حتى اللحظة رغم تكرارها هي سطوع الشمس بقوة في سماء صافية خالية من السحب بينما البروده تصل -18

في علبتي المسخنة ألتهم رواية أهداني رؤف مسعد اياها قبل سفري، أتابع أخبار مصر ومحاكمها العسكرية، واعتقالات الاخوان، محاكمة الاعلامية هويدا طه، والمدون عبد الكريم.. هل توجد كآبة أكثر من ذلك؟ أقرر الهروب الى التليفزيون وأقبع أمامه طوال العطلة الأسبوعية

 ماتت آنا نيكول سميث، شابة جميلة ذات صدر كبير جدا في منتصف العشرينات بدأت حياتها عارضة في مجلة البلاي بوي ثم عملت ستريبر (لا توجد كلمة عربية لهذه المهنة على ما أعتقد) وفي أحد عروضها رآها ثري عجوز في الثمانين وتزوجها ثم مات وورثت هي كل أمواله (لاحظ مقومات الحلم الأمريكي في القصة). كانت قد وضعت طفلة منذ خمسة أشهر يتسابق الآن عدة رجال لأثبات أنها ابنتهم حتى ينالون جزء من الثروة. لماذا أحدثكم عن هذه القصة الحمقاء؟ أتذكرون الجرعة المكثفة من تغطية الحرب اللبنانية-الاسرائيلية على قناة الجزيرة مؤخرا؟؟ أتذكرون كم المراسلين والتغطية على الهواء مباشرة وساعات الارسال وشريط الأخبار؟ هذا بالضبط هو حجم حدث وفاة آنا نيكول سميث هنا. مراسل يقف في بث مباشر أمام المشرحة واعادة لا متناهية للقطات دخول الجثمان. مراسل آخر أمام بيت أمها التي ترعى الطفلة الآن. وآخر أمام المحكمة.  وآخر أمام فيلتها في الباهاما.  يحصل أحدهم على سبق صحفي حين تنشر صورها على فراش مع أحد وزراء الباهاما. ويصبح حديث المدينة كيف ماتت؟ من أبو الطفلة؟ من يرث؟ وهكذا

في المساء فيلم وثائقي عن صناعة البورنو في أمريكا يعرض لحياة أشهر الأبطال وصعوبات العمل وظروف التصوير.. يخلص الفيلم بعد محاورة عدد من النجوم والمخرجين أنه رغم العبئ والمهنية التي يجب أن يكون عليها الرجال ألا أن النساء يحققن أضعاف أضعاف ما يحققه الرجال من أرباح لأنهن السلعة الأساسية والرائجة.. ينفق الشعب الأمريكي سنويا ملياري دولار (نفس حجم المعونة الأمريكية لمصر والتي جاءت ثمنا للسلام مع اسرائيل) على استهلاك صناعة البورنو.. 70% من المستهلكين من الرجال و50% منهم متزوجون

أرجوكم، لا تخلصوا من ذلك أن المجتمع الأمريكي ماجن ومنحل.. هو بالعكس متشدد في مسيحيته الى حد التعصب والتطرف أحيانا.. ولكنه يسع ويكفل كافة الحريات وتختار وسائل الاعلام طوعا وانحيازا تسليط الضوء على هذه الجوانب فقط، رغم كونها الأقلية القليلة الغير ممثلة

 في اليوم التالي أشاهد فيلما عن ضابط في المارينز متزوج فتاة عربية رائعة الجمال تأتي فرقة لاختطافها فجأة من المنزل ليكتشف الضابط أن زوجته أميرة سعودية هاربة من أهلها.. يذهب الى مديره كي يحول دون شحنها الى السعودية فيدق الأخير مكتبه بعنف قائلا “ألا تذكر حرب الخليج؟ لقد قدت خمسمائة من أفضل رجالي هناك وفرضت عليهم جميعا أن يعيشوا في عزلة وأن يمشوا على قشر بيض.. أنا شخصيا أمضيت أربعة عشر شهرا بدون زجاجة بيرة واحدة! (يا حرام) العلاقات بيننا وبين هذا البلد لا يمكن خدشها بأي حال من الأحوال” .. يخرج الضابط من المكتب محطم الفؤاد ثم يستميل عطف محامية قديرة لتولي القضية الميئوس منها.. في المحاكمة يظهر أبو الأميرة وزوج عربي لها يرتديان عبائة وطاقية باكستانية (!! مع انها أميرة سعودية بس ياللا مش مهم.. رزق الهبل عالمشاهدين).. تنكر الفتاة زواجها بابن عمها وترفض طاعة الأب.. تحكم القاضية ان زواج الفتاة من جندي المارينز باطل طالما كانت على ذمة ابن عمها قبل دخولها البلاد.. تستعطفها المحامية قائلة أن للسعودية تاريخ أسود من قرن الخروب في معاملة النساء وان موكلتها في نظرهم زانية وتستشهد بحالات سابقة في القضاء السعودي حكم على المرأة فيها بـ25 جلدة مع السجن.. وبعد محاولات مستميته يتم تحويل القضية الى محاكمة وفقا للشريعة الاسلامية.. وبما ان هذا النوع من المحاكم غير موجود أصلا في أمريكا فالقاضية تطلب تشكيله من امام مسجد الولاية التي تتبعها الفتاة.. تتوقف القاضية لتسأل المحامية كيف ستترافع عن الفتاه أمام محكمة شريعة؟ ترد المحامية أن جدتها كانت مسلمة وانها تعرف ان لا اله الا الله وان محمد هو رسوله.. ويستمر الفيلم الغارق في الاستشراق فيعقب ذلك مشهد هذلي للامام جالسا داخل غرفة على حوائطها نقوش اسلامية بينما يجلس على يساره رجل لم يفتح فمه طوال الجلسة، وعلى يمينه سيدة ترتدي شيء أشبه بالساري الهندي منه الى الحجاب.. تنبري المحامية باعطاء امثلة عن تكريم الاسلام للمرأة وحقها في اختيار زوجها وتنتهي القصة الهزلية بأن ترد الأميرة السعودية لزوجها المهر، وهو فيلا في سويسرا، مقابل أن يطلقها وتخرج من المحكمة لتجد جندي المارينز في انتظارها ولا يكون في جيبه نقود فيخرج كارت شحن تليفون بدولارين ويقول لها بالعربي المكسر هل تقبلين هذا مهرا لكى؟

لدي الكثير لأحكيه عن ماما أمريكا، لكن الشباب العربي الذي يتدرب على حكم الدول مشغول جدا الاسبوع القادم.. نحاول استخراج تصريح لاجراء استبيان على طلبة الجامعة، وتنظيم معرض وحلقة نقاش عن أسباب فشل أمريكا في حل الصراع العربي الاسرائيلي، ده غير أننا دايما معزومين على الغذاء والعشاء والمشاركة في مناقشات وحضور ندوات والعاقبة عندكم في المسرات! ن