تمسك أمي السمكة من الرأس والذيل وتدنيها من النار المشتعلة فوق الموقد.. نهرع أنا وأخي الأصغر على صوت الطقطقة، جلد السمكة ينكمش بسرعة محدثا صوتا عاليا، ينفصل عنها تماما، يبدأ لحمها في أخذ لون ذهبي، نلتصق أنا وأخي بها، يتفتح لحم السمكة كاشفا عامود الشوك، يتساقط الزيت من قلب السمكة على النار فيتوهج اللهب، تصيح فينا ابعدوا ما تلخمونيش، يمتليء المطبخ بدخان كثيف سرعان ما ينتشر في الطرقة ثم الشقة بأكملها لأن شفاط المطبخ كالعادة عطلان، تضع شرائح الرنجة في برطمانات السمنة والصلصة المغسولة جيدا والمرصوصة على رخامة المطبخ، تبدأ عملية جمع البرطمانات الفارغة قبل هذا اليوم بشهور طويلة، تصب عليها زيت نقي وتقول أنه يخلصها من الملح الزائد، تلتقط سمكة أخرى وهكذا، تأكل نصف الكمية أثناء الاعداد وتصرخ فينا كي نخرج من المطبخ، أحدق في اللهب متسمرة، أزرق- أحمر- ذهبي، يفيقني صوتها حضري البصل! ألتقط أصغر بصلة أقشرها وأقطعها شرائح رفيعة.. لا تستطيع أمي تقطيع أي شيء بدقة فهي دائما مستعجلة.. أضعها في طبق غويط وأصب الخل والماء، آخذها الى ترابيزة السفرة، تأتي أمي بالرنجة والليمون والعيش البلدي الساخن.. يبدأ الهاتف في الرنين.. أسماء وأميرة وريهام وسيلفيا – صديقاتي في المدرسة طنط عملت الرنجة؟ أنا جاية آخد البرطمان بتاعي.. أميرة: البطروخ، كله الا البطروخ، عارفة يا بت لو كلتي البطروخ نضحك.. لم نلون البيض أبدا.. عملية مرهقة ووجع دماغ لأمي.. تصيح ياللا يا أحمد عشان نشم النسيم.. نخرج الى مكان مشمس.. تأتي صديقاتي في المساء ويلتففن حولها.. يتهامسن معها على أشياء عدة.. يضحكن.. تلف لهن البرطمانات المغلقة جيدا في ورق جرائد ثم تضعها في كيس قائلة بحزم نادر امسكيه عدل عشان ميدلقش.. أوصلهن الى باب الشقة، يهمسن يا بختك بأمك.. تعالي شوفي المصيبة اللي عندي.. تيجي نبدل؟.. أزجرهن امشي يا بت مش خدتي الرنجة.. نضحك

الدنيا لسة برد في واشنطن.. مارجو عملتلنا بيض ملون ولحمة روستو.. قالت أن ده العشاء التقليدي في فلسطين بعد ما يرجعوا من الكنيسة.. حملت الروستو الى المائدة قائلة لما أمي بتعمله عندنا بالقدس بتبقى ريحته كتير زاكية، مش عارفة شو صاير بها الفرن الكهربا.. رانيا عملتلنا ملوخية مصري بالطشة ورز أبيض، سام جابلنا جردل آيس كريم وسلطة فواكة – طبعا ما يمنعشي أني أرجع مصر ألاقي برطمان الرنجة بتاعي جاهز من فضلك

كل شم النسيم وأنت طيبة يا ماما