و لماذا – أصلاً – يذهب الكلام إلي المحكمة؟
إن كانت ثمة حرية رأي وتعبير في مجتمع ما، فإن الكتابات التي تقع في المناطق الدافئة والآمنة ليست معيارا لاختبار هذه الحرية، بل الكتابات التي تقع علي تخوم المناطق الهلامية المسماة بالإزدراء والإهانة و المساس بالمقدسات والثوابت. ن
إن كانت ثمة حرية رأي وتعبير في مجتمع ما، فإنها تتحدد بمدي تقبل أفراد هذا المجتمع – علي إختلافهم – لوجود ما يرفضونه من الكلام و ما يختلفون معه بشدة، وإلا فأي حرية؟ ن
إن أولى أوليات حرية الرأي والتعبير هو الاعتراف بأن المجتمع المتعدد الأديان والمذاهب والاطياف الفكرية والثقافية، لا تضع السلطة فيه مقدسات وثوابت مجموعة معينة فوق النقد ولو كانت الأغلبية، ولا تحاكم معتقدات وأفكار مجموعات أخري ولو كانت أقلية صغيرة أو أفرادا معدودين أو فردا واحدا، وبالتالي لا تتدخل في الجدل والانتقادات المتبادلة لتسحب ساحات الحوار والنقد إلي ساحات المحاكمة والعقاب. ن
لا تنجح المحاكمات والسجون في إرساء أسس التعايش مع التعدد والاختلاف، ولا يمكنها أن تقوم الجدل لتدعم احترام و قبول الآخر ولا يمكنها معالجة خطاب الكراهية والتحريض. لا تنجح محاكمات الرأي إلا في إخفاء الاختلافات تحت سطوة ثقافة القهر والخوف والنفاق، لتعود وتنفجر في ساحات أخري ليدفع كل المجتمع الثمن الفادح. ن
عندما تطول المحاكمات فضاء الإنترنت، أوسع ساحات الكلام وأيسر وسائط التعبير لمن لا منبر لهم، فإن ذلك نذير خطير بتقلص كافة مساحات حرية التعبير في المجتمع المصري. وعندما تعود تهم من نوع “إهانة رئيس الجمهورية” ليتم تفعيلها، لا يكون ذلك إلا إعادة فتح الباب لإرهاب وقمع عدد غير محدود من الصحفيين والإعلاميين وأصحاب الرأي في الصحف المعارضة والخاصة وفي القنوات الفضائية وعلي الإنترنت. ن
المتضامنون مع عبد الكريم سليمان (كريم عامر) والمنددون بقسوة الحكم الذي طاله بسبب كتاباته التي تضمنتها مدونته علي الإنترنت واعتبرتها المحكمة ازدراء للإسلام وإهانة لرئيس الجمهورية، يختلفون أو يتفقون مع مضمون أو أسلوب تعبيره، و لكنهم يرفضون ابتداء الذهاب بالكلمات وأصحابها إلي المحاكم. ن
الأحد، 4 مارس 2007